فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فأولياؤه أعظم درجة من آله، وإن صلى على آله تبعًا، لم يقتض ذلك أن يكونوا أفضل من أوليائه الذين لم يصل عليهم؛ فإن الأنبياء والمرسلين هم من أوليائه. وهم أفضل من أهل بيته، وإن لم يدخلوا في الصلاة معه تبعًا، فالمفضول قد يختص بأمر، ولا يلزم أن يكون أفضل من الفاضل. ودليل ذلك أن أزواجه هم ممن يصلي عليه كما ثبت ذلك في الصحيحين. وقد ثبت باتفاق الناس كلهم أن الأنبياء أفضل منهن كلهن.
فإن قيل: فهب أن القرآن لا يدل على وقوع ما أريد من التطهير وإذهاب الرجس، لكن دعاء النبي صلّى الله عليه وسلم بذلك يدل على وقوعه، فإن دعاءه مستجاب. قيل: المقصود أن القرآن لا يدل على ما ادعاه بثبوت الطهارة وإذهاب الرجس، فضلًا عن أن يدل على العصمة والإمامة. وأما الاستدلال بالحديث فذاك مقام آخر.
ثم نقول في المقام الثاني: هب أن القرآن دل على طهارتهم، وعلى ذهاب رجسهم، كما أن الدعاء المستجاب لابد أن يستحق معه طهارة المدعوِّ لهم، وإذهاب الرجس عنهم. لكن ليس في ذلك ما يدل على العصمة من الخطأ، والدليل عليه أن الله لم يرد بما أمر به أزواج النبي صلّى الله عليه وسلم أن لا يصدر من واحدة منهن خطأ؛ فإن الخطأ مغفور لهن ولغيرهن، وسياق الآية يقتضي أنه يريد ليذهب عنهم الرجس الذي هو الخبث، كالفواحش ويطهرهم تطهيرًا من الفواحش وغيرها من الذنوب.
والتطهير من الذنب على وجهين، كما في قوله: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4]، وقوله: {إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [الأعراف: 82] و[النمل: 56]، فإنه قال فيها: {مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} [الأحزاب: 30] والتطهر من الذنوب إما بأن لايفعله العبد، وإما بأن يتوب منه كما في قوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103]، ما أمر الله به من الطهارة ابتداء وإرادة، فإنه يتضمن نهيه عن الفاحشة، لا يتضمن الإذن فيها بحال. لكن هو سبحانه ينهى عنها، ويأمر من فعلها بأن يتوب منها. وفي الصحيح عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه كان يقول: «اللهم! باعد بيني وبين خطاياي، كما باعدت بين المشرق والمغرب. واغسلني بالثلج والبرد والماء البارد. اللهم! نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس». وبالجملة، لفظ الرجس، أصله القذر. ويراد به الشرك. كقوله: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} [الحج: 30]، ويراد به الخبائث المحرمة، كالمطعومات والمشروبات كقوله: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا} [الأنعام: 145]، وقوله: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [المائدة: 90]، وإذهاب ذلك إذهاب لكله، ونحن نعلم أن الله أذهب عن أولئك السادة الشرك والخبائث. ولفظ الرجس عام يقتضي أن الله يذهب جميع الرجس. فإن النبي صلّى الله عليه وسلم دعا بذلك. وأما قوله: {وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيْرًا} فهو سؤال مطلق بما يسمى طهارة.
وبعض الناس يزعم أن هذا مطلق فيكتفي فيه بفرد من أفراد الطهارة. ويقول مثل ذلك في قوله: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: 2]، ونحو ذلك. والتحقيق أنه أمر بمسمى الاعتبار الذي يقال عند الإطلاق، كما إذا قيل: أكرم هذا، أي: افعل معه ما يسمى عند الإطلاق إكرامًا، وكذلك ما يسمى عند الإطلاق اعتبارًا، والْإِنْسَاْن لا يسمى معتبرًا إذا اعتبر في قصة، وترك ذلك في نظيرها. وكذلك لا يقال: هو طاهر، أو متطهر، أو مطهر، إذا كان متطهرًا من شيء، متنجسًا بنظيره. ولفظ الطاهر كلفظ الطيب؛ قال تعالى: {وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} [النور: 26]، كما قال: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ} [النور: 26]، وقد روي أنه قال لعمار: «ائذنوا له. مرحبا بالطيب المطيب». وهذا أيضًا كلفظ المتقي والمزكي؛ قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 9- 10]، وقال: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103]، وقال: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى: 14]، وقال: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} [النور: 21]، وليس من شرط المتقين ونحوهم أن لا يقع منهم ذنب، ولا أن يكونوا معصومين من الخطأ والذنوب، فإن هذا- لو كان كذلك- لم يكن في الأمة متّق، بل من تاب من ذنوبه دخل في المتقين. كما قال: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} [النساء: 31]، فدعاء النبي صلّى الله عليه وسلم بأن يطهرهم تطهيرًا، كدعائه بأن يزكيهم ويطييهم ويجعلهم متقين، ونحو ذلك ومعلوم أن من استقرّ أمره على ذلك، فهو داخل في هذا، لا تكون الطهارة التي دعا بها لهم بأعظم مما دعا به لنفسه، وقد قال: «اللهم! طهرني من خطاياي بالثلج والبرد والماء البارد». فمن وقع ذنبه مغفورًا أو مكفرًا، فقط طهره الله منه تطهيرًا، ولكن من مات متوسخًا بذنوبه، فإنه لم يطهر منها في حياته. وقد يكون من تمام تطهيرهم صيانتهم عن الصدقة التي هي أوساخ الناس. والنبي صلّى الله عليه وسلم، إذا دعا بدعاء، أجابه الله بحسب استعداد المحل. فإذا استغفر للمؤمنين والمؤمنات، لم يلزم أن لا يوجد مؤمن مذنب، فإن هذا، لو كان واقعًا، لما عُذب مؤمن، لا في الدنيا ولا في الآخرة. بل يغفر الله لهذا بالتوبة، ولهذا بالحسنات الماحية، ويغفر الله لهذا ذنوبًا كثيرة، وإن واحدة بأخرى، وبالجملة، فالتطهير الذي أراده الله والذي دعا به النبي صلّى الله عليه وسلم، ليس هو العصمة بالاتفاق، فإن أهل السنة عندهم، لا معصوم إلا النبي صلّى الله عليه وسلم. والشيعة يقولون: لا معصوم غير النبي صلّى الله عليه وسلم والإمام.
فقد وقع الاتفاق على انتقاء العصمة المختصة بالنبي صلّى الله عليه وسلم والإمام عن أزواجه وبناته وغيرهن من النساء، وإذا كان كذلك امتنع أن يكون التطهير المدعو به للأربعة، متضمنًا للعصمة التي يختص بها النبي صلّى الله عليه وسلم، والإمام عندهم. فلا يكون دعاء النبي صلّى الله عليه وسلم له بهذا العصمة، لا لعلي ولا لغيره. فإنه دعا لأربعة مشتركين، لم يختص بعضهم بدعوة، وأيضًا فالدعاء بالعصمة من الذنوب ممتنع على أصل القدرية. بل وبالتطهير أيضًا؛ فإن الأفعال الاختيارية التي هي فعل الواجبات وترك المحرمات عندهم غير مقدورة للرب، ولا يمكنه أن يجعل العبد مطيعًا ولا عاصيًا، ولا متطهرًا من الذنوب ولا غير متطهر. فامتنع على أصلهم أن يدعو لأحد بأن يجعله فاعلًا للواجبات تاركًا للمحرمات، وإنما المقدور عندهم قدرة تصلح للخير والشر. كالسيف الذي يصلح لقتل المسلم والكافر، والمال الذي يمكن إنفاقه في الطاعة والمعصية، ثم العبد يفعل باختياره، إما الخير أو الشر بتلك القدرة. وهذا الأصل يبطل حجتهم، والحديث حجة عليهم في إبطال هذا الأصل، حيث دعا النبي صلّى الله عليه وسلم بالتطهير.
فإن قالوا: المراد بذلك أنه يغفر لهم ولا يؤاخذهم، كان ذلك أدل على البطلان من دلالته على العصمة. فتبيّن أن الحديث لا حجة لهم فيه بحال على ثبوت العصمة. والعصمة مطلقًا التي هي فعل المأمور وترك المحظور، ليست مقدورة عندهم لله، ولا يمكنه أن يجعل أحدًا فاعلًا لطاعة، ولا تاركًا لمعصية، لا لنبي ولا لغيره، ويمتنع عندهم أن من يعلم أنه إذا عاش يطيعه باختيار نفسه، لا بإعانة الله وهدايته، وهذا مما يبين تناقض قولهم في مسائل العصمة. كما تقدم. ولو قدر ثبوت العصمة، فقد قدمنا أنه لا يشترط في الإمام العصمة، والإجماع على انتقاء العصمة في غيرهم. وحينئذ تبطل حجتهم بكل طريق. انتهى.
{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} أمر لهن بأن يذكرن ولا يغفِلن ما يقرأ في بيوتهن من آيات كتابه تعالى، وسنة نبيه اللتين فيهما حياة الأنفس وسعادتها وقوام الآداب والأخلاق. وذكر ذلك مستوجب لتصوّر عظمته ومكانته وثمرة منفعته. وذلك يجر إلى العمل به. فمن تأول: {اذْكُرْنَ} باعملن به، أراد ذلك تعبيرًا عن المسبب باسم السبب. وجوز أن يكون المعنى: اذكرن هذه النعمة حيث جعلتن أهل بيت النبوة ومهبط الوحي، مما يوجب قوة الإيمان والحرص على الطاعة، حثًا على الانتهاء والائتمار فيما كلفنه.
قال أبو السعود: والتعرض للتلاوة في البيوت دون النزول فيها، مع كونه مهبط الوحي لعمومها لجميع الآيات، ووقوعها في كل البيوت، وتكررها الموجب لتمكنهن من الذكر والتذكير، بخلاف النزول وعدم تعيين التالي لتعم تلاوة جبريل، وتلاوة النبي صلّى الله عليه وسلم، وتلاوتهن، وتلاوة غيرهن، تعليمًا وتعلمًا: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} أي: يعلم ويدبر ما يصلح في الدين ولذلك أمر ونهي. اهـ.

.قال عبد الكريم الخطيب:

قال تعالى: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحًا نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقًا كَرِيمًا}.
هو مقابل قوله تعالى في الآية السابقة: {يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ}.
فهذا مقام، وذاك مقام هذا في مقام الإحسان، وذاك في مقام الإساءة.
وكما أن زلّة أهل الإحسان كبيرة ومؤاخذتهم عليها أكبر، فإن إحسانهم عظيم وجزاءهم عليه أعظم. والقنوت: الولاء والخشوع.
وفي عطف الرسول على اللّه سبحانه وتعالى، تكريم عظيم للرسول، وإشارة إلى مقامه العظيم عند ربه.
وقال تعالى: {وَتَعْمَلْ صالِحًا} معطوف على قال تعالى: {يَقْنُتْ}.
وفي هذا إشارة إلى أن القنوت- وهو الولاء والخشوع- من عمل القلب وأنه لكى يكون لهذا القنوت أثر، ينبغى أن يخرج إلى مجال العمل، فالعمل هو المحكّ الذي يظهر عليه ما في القلب من مشاعر ومعتقدات.
وإيتاء الأجر مرتين، هو مضاعفة الثواب لأهل الإحسان، فضلا من فضل اللّه، وإحسانا من إحسانه إلى أهل ودّه: {وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ} [261: البقرة] قال تعالى: {يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} تكشف الآية هنا عن السبب الذي من أجله كان حساب نساء النبي في مقام الإحسان أو الإساءة على هذا الوجه الذي أشارت إليه الآيات السابقة، وذلك أنهن لسن مثل غيرهن من النساء إنهن نساء النبي قد فرض عليهن أن يزهدن في الحياة الدنيا ومتاعها، إذا شئن أن يحسبن في نساء النبي.
ثم جعل حسابهن في مقام الإحسان أو الإساءة، على غير ما يقوم عليه حساب النساء جميعا.
وفي قال تعالى: {يا نِساءَ النَّبِيِّ} استدعاء لهن بتلك الصفة الرفيعة التي حلّاهن اللّه سبحانه وتعالى بها في بيت النبوة، وتذكير لهن بتلك النعمة العظيمة التي لبسنها بإضافتهن إلى النب.
وقال تعالى: {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ} نفى الشّبه عن نساء النبي هنا هو في المقام الذي حللنه في المسلمين فهن في هذا المقام أمهات المؤمنين، لهن ما للأمهات عند الأبناء من توقير وتقدير، فهن بهذا الوضع لسن كمطلق النساء، وعمومهن، بل إن لهن خصوصية لا يشاركهن فيها غيرهن من النساء- وقال تعالى: {إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} الخضوع بالقول مضغ الكلام، ولينه، تدلّلا وهذا من المرأة أشبه يكشف العورة، وإبداء الزينة، إذ كان الصوت من بعض مفاتنها وصوت المرأة إذا كان على طبيعته لا شيء فيه، ولكن التصنع هو الذي يجعل من صوتها داعيا يدعو إلى الريبة، وإثارة شهوة الرجال ولهذا تغزل الشعراء بمثل هذا الصوت الذي يجىء من المرأة عن دلال وصنعة.
ويعدّ المتنبي مضغ الكلام ولينه من بدع الحضارة الذي لا يعجبه فيقول:
أفدي ظباء فلاة ما عرفن بها ** مضغ الكلام ولا صبغ الحواجيب

وقال تعالى: {وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} أي تحدثن حديثا، واضحا صريحا، بعيدا عن التكليف والصنعة، مجانبا، الغمز والإشارة.
فهذا أدب يباعد بين نساء النبي، وبين أن يطوف بهن طائف من الريب، وهو أدب ينبغى أن يكون لنساء المؤمنين جميعا فلهن في نساء النبي أسوة حسنة.
قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}.
قرن في بيوتكن: أي أقمن في بيوتكن، والزمن الحياة فيها وهو من القرار والسكن، وأصله: اقررن في بيوتكن.
والتبرج: التهتك، وإظهار الزينة.
والجاهلية الأولى: أي الجاهلية العريقة في الجهل.
والآية، أمر لنساء النبي، أن يلزمن بيوتهن، وألا يغشين المجالس والطرقات إذ أن بيوتهن، هي مساجدهن التي رضين أن يعشن فيها بعيدات عن صخب الدنيا، وعن زخرفها ومتاعها.
وهذا القرار في البيوت، لنساء النبي- أمر طبيعى، بعد أن اخترن اللّه ورسوله والدار الآخرة فما لهن بعد هذا مطلب يطلبنه خارج بيوتهن، من لهو أو تجارة أو نحوها ولهذا كانت الدعوة إليهن بالقرار في البيوت مقترنة بالدعوة بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة وإطاعة اللّه ورسوله.. فهذا هو دأبهن في الحياة.. الاتجاه إلى اللّه، والعمل لما يرضى اللّه، ورسول اللّه.
وقال تعالى: {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}.
أي إن هذا لذى يدعى إليه نساء النبي من أدب السماء، هو لما يريد اللّه سبحانه وتعالى لهن من طهر، يتناسب مع مقامهن، ويتلاقى مع انتسابهن إلى النبي.
{وأَهْلَ الْبَيْتِ} منادى، وفي النداء تذكير لنساء النبي بهذا النسب الكريم الذي ينتسبن إليه، وأنهن أهل بيت النبي.
وقال تعالى: {وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} توكيد لهذا الطهر الذي يريد اللّه سبحانه وتعالى أن يضفيه على أهل بيت النبي.. فهو طهر خالص، لا تعلق به شائبة من دنس، أو رجس.
قال تعالى: {وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفًا خَبِيرًا}.
آيات اللّه، هي القرآن الكريم، والحكمة: هي السنة المطهرة.
والمراد بذكر آيات اللّه والحكمة، هو تذكرها، والعمل بها.. ففى ذكر آيات اللّه، وسنة الرسول، تذكير بما فيهما من أحكام وآداب.. وفي هذا التذكير حثّ على العمل، وتحرّ لما يرضى اللّه ورسوله، من قول أو فعل!.
وقال تعالى: {بُيُوتِكُنَّ} إشارة إلى أن بيوت نساء النبي هي الآفاق التي تطلع منها آيات اللّه، وسنة الرسول.. إذ كان الرسول- صلوات اللّه وسلامه عليه- على تلاوة دائمة لآيات اللّه آناء الليل أو النهار، في أي بيت من بيوت نسائه.
وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفًا خَبِيرًا}- دعوة إلى ما ينبغى أن يصحب الذاكر لآيات اللّه وسنة الرسول من يقظة الوجدان، واستجماع المشاعر والمدارك لاستقبال ما يتلى من آيات اللّه والحكمة، فذلك هو الذي يمنح القدرة على استشفاف بعض ما ضمّت عليه كلمات اللّه، وهدى رسوله، من حكمة وموعظة، وعلى التعرف على بعض ما حملت من علم ومعرفة.
{إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفًا خَبِيرًا}. ومن لطف اللّه وخبرته يقبس عباد اللّه المقربون، المكرمون.. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ}.